فصل: تفسير الآيات (1- 11):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.سورة البروج:

.تفسير الآيات (1- 11):

{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)}

.شرح الكلمات:

{ذات البروج}: أي منازل الشمس والقمر الاثنى عشر برجا.
{واليوم الموعود}: أي يوم القيامة إذ وعدت لله تعالى عباده أن يجمعهم فيه لفصل القضاء. {وشاهد}: أي يوم الجمعة.
{ومشهود}: أي يوم عرفة.
{قُتل أصحاب الأخدود}: أي لُعن أصحاب الأخدود.
{الأخدود}: أي الحفر تحفر في الأرض وهو مفرد وجمعه أخاديد.
{إذ هم عليها قعود}: أي على حافتها وشفيرها.
{وما نقموا منهم}: أي ما عابوا أي شيء سوى إيمانهم بالله تعالى.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {والسماء ذات البروج} هذا قسم من أعظم القسام إذ أقسم تعالى فيه بالسماء ذات البروج وهي منازل الشمس والقمر الأثنا عشر برجا، وباليوم الموعود وهو يوم القيامة إذ وعد الربّ تعالى عباده أن يجمعهم فيه ليحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون وبالشاهد وهو يم الجمعة وبالمشهود وهو يوم عرفة وجواب القسم أو المقسم عليه محذوف قد يكون تقديره لتبعثن ثم لتنبؤن لأن السورة مكية والسور المكية تعالج العقيدة بأنواعها الثلاثة التوحيد والنبوّة والبعث والجزاء، وجائز أن يكون الجواب قتل بتقدير اللام وقد نحو لقد قتل أي لعن اصحاب الأخدود وهي حفر حفرها الكفار وأججوا فيها ناراً وأتوا بالمؤمنين المخالفين لدينهم وعرضوا عليهم الكفر أو الإِلقاء في النار فاختاروا الإِلقاء في النار مع بقاء إيمانهم حتى إن امرأة كانت ترضع صبياً فأحجمت عن إلقاء نفسها مع طفلها في النار فأنطق الله الصبي فقال لها: أماه امضي فإِنك على الحق فاقتحمت النار. وقوله: {إذ هم عليها قعود} بيان للحال التي كانوا يفتنون فيها المؤمنين والمؤمنات إذ كانوا على شفير النار وحافتها قاعدين، وقوله تعالى: {وهم على ما يفعلون بالمؤمنين} من الإِلقاء في النار والارتداد عن الإِسلام {شهود} أي حضور، ولم يغيروا منكراً ولم يأمروا بمعروف. وقوله تعالى: {وما نقموا منهم} أي وما عابوا عنهم شيئا سوى إيمانهم بالله العزيز الحميد الذي له ملك السموات والأرض، فحسب العبد من الله هذه الصفات فإِنها توجب الإِيمان بالله وطاعته ومحبته وخشيته وهي كونه سبحانه وتعالى عزيزاً في انتقامه لأوليائه حميداً يحمده لآلائه ونعمه سائر خلقه مالكاً لكل ما في السموات والأرض ليس لغيره ملك في شيء معه وعلمه الذي أحاط بكل شيء دل عليه قوله وهو على كل شيء شهيد. فكيف ينكر على المؤمن إيمانه بربّه ذي الصفات العلا. والجلال والجمال والكمال. سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك. وقوله تعالى: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات} أي فتونهم عن دينهم فأحرقوهم بالنار {ثم لم يتوبوا} بعد فتنتهم للمؤمنين والمؤمنات {فلهم عذاب جهنم} جزاء لهم. {ولهم عذاب الحريق} عذاب جهنم في الدار الآخرة وعذاب الحريق في الدنيا. فقد روي أنهم لما فرغوا من غلقاء المؤمنين في النار والمؤمنون كانت تفيض أرواحهم قبل وصولهم إلى النار فلم يحسوا بعذاب النار والكافرون خرجت لهم النار من الأخاديد وأحرقتهم فذاقوا عذاب الحريق في الدنيا، وسيذوقون عذاب جهنم في الآخرة هذا بالنسبة غلى أبدانهم أما أرواحهم فإِنها بمجرد مفارقة الجسد تلقى في سجين مع أرواح الشياطين والكافرين وقوله تعالى: {إن الذين آمنوا} بالله وعملوا الصالحات أي آمنوا بالله ربّاً وإلهاً وعبدوه ب>اء فرائضه وترك محارمه {لهم جنات} أي بساتين {تجري من تحتها الأنهار} أي من تحت أشجارها وقصورها.
وقوله تعالى: {ذلك الفوز الكبير} حقا هو فوز كبير، لأنه نجاة من النار أولاً ودخول الجنة ثانياً. كما قال تعالى: {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
2- فضل يومي الجمعة وعرفة.
3- بيان ما يُبتلى به المؤمنون في هذه الحياة ويصبرون فيكون جزاؤهم الجنة.
4- الترهيب والترغيب في ذكر جزاء الكافرين والمؤمنين الصالحين.

.تفسير الآيات (12- 22):

{إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)}

.شرح الكلمات:

{إن بطش ربك}: أي أخذه أذا أخذ الكافر شديد.
{يبدئ ويعيد}: أي يبدئ الخلق ويعيده بعد فنائه ويبدئ العذاب ويعيده.
{الغفور الودود}: أي لذنوب عباده المؤمنين المتودد لأوليائه.
{ذو العرش المجيد}: أي صاحب العرش إذ هو خالقه ومالكه والمجيد المستحق لكمال صفات العلو.
{في تكذيب}: أي بما ذكر في سياق الآيات السابقة.
{من ورائهم محيط}: أي هم في قبضته وتحت سلطانه وقهره.
{قرآن مجيد}: أي كريم عظيم.
{في لوح محفوظ}: أي من الشياطين والمراد به اللوح المحفوظ.

.معنى الآيات:

لما ذكر تعالى ما توعد به الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات من أجل إيمانهم أخبر رسوله معرضا بمشركي قومه وطغاتهم الذين آذوا المؤمنين في مكة من أجل إيمانهم أخبره بقوله: {إن بطش ربك لشديد} أي إن أخذه إذا بطش أخذه أليم شديد ودلل على ذلك بقوله: {إنه هو يبدئ ويعيد} فالقادر على البدء والإِعادة بطشه شديد. وقوله: {يبدئ} أي الخلق ثم يعيده. ويبدئ العذاب أيضا ثم يعيده {وهو الغفور الودود} فهو قادر على البطش بأعدائه، وهو الغفور لذنوب أوليائه {ذو العرش المجيد} أي صاحب العرش خلقا وملكا المجيد العظيم الكريم، {فعال لما يريد} إذ لا يُكره تعالى على شيء ولا يقدر أحد على إكراهه.
وقوله تعالى: {هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود} كيف أهلكهم الله لما طغوا وبغوا وكفروا وعصوا نعم قد أتاك وقرأته على قومك الكافرين ولم ينتفعوا به لأنهم يعيشون في تكذيب لك يحيط بهم لا يخرجون منه لأنه تكذيب ناشئ من الكبر والحسد والجهل فلذا هم لم يؤمنوا بعد. وقوله تعالى: {والله من ورائهم محيط} أي هم في قبضته وتحت قهره وسلطانه لا يخفى عليه منهم شيء ولا يحول بينه وبينهم متى أراد أخذهم شيء. وقوله تعالى: {بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ} يرد بهذا على المشركين الذين قالوا في القرآن إنه سحر وشعر واساطير الأولين فقال ليس هو كما قالوا وادّعوا وإنما هو قرآن مجيد في لوح محفوظ من الشياطين فلا تمسه ولا تقربه ولا من غير الشياطين من سائر الخلق أجمعين.

.من هداية الآيات:

1- تهديد الظلمة بالعذاب عقوبة في الدنيا وفي الآخرة.
2- إن الله تعالى لكرمه يتودد لأوليائه من عباده.
3- فائدة القصص هي الموعظة تحصل للعبد فلا يترك واجباً ولا يغشى محرما.
4- بيان إحاطة الله تعالى بعباده وأنهم في قبضته وتحت سلطانه.
5- شرف القرآن الكريم، وإثبات اللوح المحفوظ وتقريره.

.سورة الطارق:

.تفسير الآيات (1- 17):

{وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (10) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)}

.شرح الكلمات:

{والطارق}: أي كل ما يطرق ويأتي ليلا وسمي النجم طارقا لطلوعه ليلا.
{النجم الثاقب}: أي الثريّا والثاقب المضيء الذي يثقب الظلام بنوره.
{لما عليها حافظ}: أي إلاّ عليها حافظ من الملائكة يحفظ عملها.
{خلق من ماء دافق}: أي ماء ذي اندفاق وهو بمعنى مدفوق أي مصبوب في الرحم.
{من بين الصلب والترائب}: الصلب: عظم الظهر من الرجل، والترائب عظام الصدر والواحدة تريبة.
{يوم تُبلى السرائر}: أي تختبر ضمائر القلوب في العقائد والنيات. والسرائر جمع سريرة كالسّرّ.
{ذات الرجع}: أي ذات المطر لرجوعه كل حين والرجع من أسماء المطر.
{ذات الصدع}: أي التصدع والتشقق بالنبات.
{لقول فصل}: أي يفصل بين الباطل وفي الخصومات يقطعها بالحكم الجازم.
{وما هو بالهزل}: أي باللعب والباطل بل هو الجد كل الجد.
{يكيدون كيداً}: أي يعملون المكائد للنبي صلى الله عليه وسلم.
{وأكيد كيدا}: أي أستدرجهم من حيث لا يعلمون لأوقعهم في المكروه.
{أمهلهم رويدا}: أي زمنا قليلا وقد أخذهم في بدر.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {والسماء والطارق} هذا قسم إلهي حيث أقسم تعالى بالسماء والطارق ولما كان لفظ الطارق يشمل كل طارق آت بليل، واراد طارقاً معينا فخم منشأنه بالاستفهام عنه الدال على تهويله فقال: {وما أدراك ما الطارق} ثم بيّنه بقوله: {النجم الثاقب} وكل نجم هو ثاقب للظلام بضوئه. والمراد به هنا الثريّا لتعارف العرب على إطلاق النجم على الثريا. هذا هو القسم والمقسم عليه هوقوله تعالى: {إن كل نفس لما عليها حافظ}. وهنا قراءتان سبعيتان الأولى يتخفيف ميم لما وحينئذ تصبح زائدة لتقوية الكلام لا غير واللام للفرق بين إن النافية والمؤكدة الاخلة على الاسم وهو هنا ضمير شأن محذوف والتقدير أنه أي الحال والشأن كل نفس عليها حافظ. والثانية بتشديد لمّا وحينئذ تكون إن نافية بمعنى ما ولما بمعنى إلاّ ويصير الكلام هكذا.
ما كل نفس إلاّ عليها حافظ من ربها يحفظ عملها ويُحصي عليها ما تكسب من خير وشر. وقوله تعالى: {فلينظر الإِنسان} أي الكافر المكذب بالبعث والجزاء {مم خُلق} أي من أي شيء خلق. وبين تعالى مما خلقه بقوله: {خُلق من ماء دافق} أي ذي اندفاق وهو المنيّ يصب في الرحم يخرج من بين الصلب والترائب أي يخرج الماء من صلب الرجل وهو عظام ظهره وترائب المرأة وهي محل القلادة من صدرها، وقد اختلف في تقدير فهم هذا الخبر عن الله تعالى وجاء العلم الحديث فشرح الموضوع واثبت أن ماء الرجل يخرج حقا مما ذكر الله تعالى في هذه الآية وأن ماء المرأة كذلك يخرج مما وصف عز وجل وصدق الله العظيم. وقوله تعالى: {إنه على رجعه لقادر} أي الذي خلقه مما ذكر من ماء دافق فجعله بشراً سوياً ثم أماته بعد أن كان حياً قادر على إرجاعه حياً كما كان وأعظم مما كان.
وذلك يوم تبلى السرائر أي تختبر الضمائر وتكشف الأسرار وتعرف العقائد والنيات الصالحة من الفاسدة والسليمة من المعيبة ويومها {فما له من قوة ولا ناصر} ليس لهذا الكافر والمكذب بالبعث واليحاة الثانية ماله قوة يدفع بها عن نفسه عذاب ربّه ولا ناصر ينصره فيخلصه من العذاب. وقوله تعالى: {والسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع} أقسم تعالى بالسماء ذات السحب والغيوم والأمطار، والأرض ذات التشقق عن النباتات والزروع المختلفة على أن القرآن الكريم قول فصل وحكم عدل في كل مختلف فيه من الحق والباطل فما أخبر به وحكم فيه من أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها هو الحق الذي لا مرية فيه واصلدق الذي لا كذب معه وقوله تعالى: {وما هو بالهزل} أي وليس القرآن باللعب الباطل بل هو الحق من الله الذي لا باطل معه. وقوله تعالى: {إنهم يكيدون كيدا} أي إن كفار قريش يمكرون بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم وبدعوته مكرا ويكيدون لهما كيدا.
وقوله: {وأكيد كيدا} أي وأنا أمكر بهم وأكيد لهم كيدا فمن يغلب مكره وكيده الخالق المالك أم المخلوق المملوك؟ فمهل الكافرين يا رسولنا أمهلهم قليلا، فقد كتبنا في كتناب عندنا {لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز} وقد أنجز الله وعده لرسوله والمؤمنين فلم يمض إلاّ سنيات قلائل، ولم يبق في مكة من سلطان إلا الله، ولا من معبود يعبد إلا الله.

.من هداية الآيات:

1- تقرير المعاد والبعث والجزاء.
2- تقرير أن أعمال العباد محصية محفوظة وأن الحساب يجري بحسبها.
3- بيان مادة تكوين الإِنسان ومصدر تكوين تلك المادة.
4- التحذير من إسرار الشر وإخفاء الباطل، وإظهار خلاف ما في الضمائر، فإِن الله تعالى عليم بذلك، وسيختبر عباده في كل ما يسرون ويخفون.
5- إثبات أن القرآن قول فصل ليس فيه من الباطل شيء وقد تأكد هذا بمرور الزمان فقد صدقت أنباؤه ونجحت في تحقيق الأمن والاستقرار أحكامه.

.سورة الأعلى:

.تفسير الآيات (1- 13):

{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5) سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13)}

.شرح الكلمات:

أي نزه اسم ربك أن يُسمى به غيره وأن يذكر بسخرية أو لعب أي لا يذكر إلا باجلال واكبار ونزه ربك عما لا يليق به من الشرك والصاحبة والولد والشبيه والنظير.
{الأعلى}: أي فوق كل شيء والقاهر لكل شيء.
{الذي خلق فسوى}: أي الإِنسان فوسى أعضاءه بأن جعلها متناسبة غير متفاوتة.
{والذي قدر فهدى}: أي قدر ما شاء لمن شاء وهداه إلى إتيان ما قدره له وعليه.
{والذي أخرج المرعى}: أي أنبت العشب والكلأ.
{فجعله غثاء أحوى}: أي بعد الخضرة والنضرة هشيما يابسا أسود.
{سنقرئك فلا تنسى}: أي القرآن فلا تنساه بإِذننا.
{إلا ما شاء الله}: أي إلا ما شئنا أن ننسيكه فإِنك تنساه وذلك إذا أراد الله تعالى نسخ شيء من القرآن بلفظه فإِنه يُنسي فيه رسوله صلى الله عليه وسلم.
{ونيسرك لليسرى}: أي للشريعة السهلة وهي الإِسلام.
{فذكر إن نفعت الذكرى}: أي من تذكر أو لم تنفع ومعنى ذكر عظ بالقرآن.
{ويتجنبها}: أي الذكرى أي يتركها جانبا فلا يلتفت إليها.
{الأشقى}: أي الكافر الذي كتبت شقاوته أزلا.
{يصلى النار الكبرى}: أي نار الدار الآخرة.
{لا يموت فيها ولا يحيا}: أي لا يموت فيستريح، ولا يحيا فيهنأ.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى} هذا أمر من الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأمته تابعة له بأن ينزه اسم ربّه عن أن يسمى به غيره، أو أن يذكر في مكان قذر، أو أن يذكر بعدم اجلال واحترام، والأعلى صفة للربّ تبارك وتعالى دالى على علوه على خلقه فالخلق كله تحته وهو قاهر له وحاكم فيه. الذي خلق فسوى أي أوجد من العدم المخلوقات وسوى خلقها كل مخلوق بحسب ذاته فعدل أجزاءه وسوى بينها فلا تفاوت فيها {والذي قدر فهدى} أي قدر الأشياء في كتاب المقادير من خير وغيره وهدى كل مخلوق إلى ما قدره له أو عليه فهو طالب له حتى يدركه في زمانه ومكانه وعلى الصورة التي قدر عليها {والذي أخرج المرعى} أي ما ترعاه البهائم من الحشيش والعشب والكلأ. {فجعله غثاء أحوى} أي فجعله بعد الخضرة والنضرة هشيما متفرقا يابسا بين سواد وبياض وهي الحوّة هذه خمس آيات الآية الأولى تضمنت الأمر بتنزيه اسم الله والأربع بعدها في التعريف به سبحانه وتعالى حتى يعظم اسمه وتعظم ذاته وتنه عن الشريك والصاحبة والولد وقوله تعالى: {سنقرئك فلا تنسى} هذه عِدَةٌ من الله تعالى لرسوله. لعل سببها أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا جاءه جبريل بالآيات يخاف نسيانها فيستعجل قراءتها قبل فراغ جبريل عليه السلام من إملائها عليه فيحصل له بذلك شدة فطمأنه ربّه أنه لا ينسى ما يقرئه جبريل {إلا ما شاء الله} أن ينسيه إياه لحكمة اقتضت ذلك فإِنه ينساه فقد كان صلى الله عليه وسلم ينسى وذلك لما أراد الله أن ينسخه من كلامه.
وقوله تعالى: {إنه يعلم الجهر وما يخفى} هذه الجملة تعليلية لقدرة الله تعالى على أن يحفظ على رسوله القرآن فلا ينساه ومعنى يعلم الجهر وما يخفى أي أن الله تعالى يعلم ما يجهر به المرء من قراءة أو حديث وما يخفيه الكل يعلمه الله بخلاف عباده فإِنهم لا يعلمون ما يخفى عليهم ويُسرُّ به وقوله تعالى: {ونيسرك لليسرى} أي للطريقة السهلة الخالية من الحرج وهي الشريعة الإِسلامية التي بنيت على أساس أن لا حرج في الدين {وما جعل عليكم في الدين من حرج} وقوله تعالى: {فذكر إن نفعت الذكرى} من آيسناك من غيمانهم أو لم تنفع. لأنه صلى الله عليه وسلم مأمور بالبلاغ فيبلغ الكافر والمؤمن ويذكر الكافر والمؤمن. والأمر بعد لله. وقوله تعالى: {سيذكر من يخشى} أي سيذكر ويتعظ من يخشى عقاب الله إِيمانه به ومعرفته له {ويتجنبها} أي الذكرى {الأشقى} أي أشقى الفريقين فريق من يتذكر وفريق من لا يتذكر {الذي يصلى النار الكبرى} أي يدخل النار الكبرى نار يوم القيامة {ثم لايموت فيها} من جراء عذابها فيستريح {ولا يحيا} فيهنأ ويسعد إذ الشقاء لازمه. وهذه حال أهل النار ونعوذ بالله من حال أهل النار.

.من هداية الآيات:

1- وجوب تسبيح اسم الله وتنزيهه عما لا يليق به كوجوب تنزيه ذات الله تعالى عن كل مالا يليق بجلاله وكماله.
2- مشروعية قول سبحان ربّي الأعلى عند قراءة هذه الآية سبح اسم ربك الأعلى.
3- وجوب التسبيح بها في السجود في كل سجدة من الصلاة سبحان ربي الأعلى ثلاثا فأكثر.
4- مشروعية قراءة هذه السورة في الوتر فيقرأ في الركعة الأولى بالفاتحة والأعلى وفي الثانية بالفاتحة والكافرون، وفي ركعة الوتر بالفاتحة والصمد أو الصمد والمعوذتين.
5- أحب الرسول صلى الله عليه وسلم سورة الأعلى لأنها سورة ربّه وأن ربّه بشره فيها بشارتين عظيمتين الأولى أنه يُيسره لليسرى، ومن ثم ما خُير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين شيئين إلا اختار أيسرهما والثانية أنه حفظه من النسيان بأن جعله لا ينسى. ولذا كان يُصلي بهذه السورة الجمع والأعياد والوتر في كل ليلة ف صلى الله عليه وسلم.

.تفسير الآيات (14- 19):

{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)}

.شرح الكلمات:

{أفلح}: أي فاز بأن نجا من النار، ودخل الجنة.
{من تزكى}: أي تطهر بالإِيمان وصالح الأعمال بعد التخلي عن الشرك والمعاصي.
{وذكر اسم ربه}: أي في كل أحايينه عند الأكل وعند الشرب وعند النوم وعند الهبوب منه وفي الصلاة وخارج الصلاة من تسبيح وتحميد وتهليل وتكبير.
{فصلى}: أي الصلوات الخمس والنوافل من رواتب وغيرها.
{تؤثرون}: أي تقدمون وتفضلون الدنيا على الآخرة.
{إن هذا لفي الصحف الأولى}: أي إن هذا وهو قوله قد أفلح إلى قوله وأبقى.
{صحف إبراهيم}: إذ كانت عشر صحف.
{وموسى}: أي توراته.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {قد افلح من تزكى وذكر اسم ربّه فصلى} يخبر تعالى بفلاح عبد مؤمن زكى نفسه أي طهرها بالإِيمان وصالح الأعمال، وذكر اسم ربّه على كل أحايينه عند القيام من النوم عند الوضوء بعد الوضوء في الصلاة وبعد الصلاة وعند الأكل والشرب وعند اللباس فلا يخلو من ذكر الله ساعة فصّلى الصلوات الخمس وصلى النوافل. ومعنى الفلاح الفوز والفوز هو النجاة من المرهوب والظفر بالمرغوب المحبوب. والمراد منه في الآية النجاة من النار ودخول الجنة الآية آل عمران {فمن زحزح عن النار وأدخل لجنة فقد فاز} وقوله تعالى: {بل تؤثرون الحياة الدنيا} أيها الناس أي تفضلونها على الآخرة فتعملون لها وتنسون الآخرة فلا تقدمون لها شيئا.
هذا هو طبعكم أيها الناس إلا من ذكر الله فصلى بعد أن آمن واهتدى في حين أن الآخرة خير من الدنيا وأبقى خير نوعاً وابقى مدة حتى قال الحكماء لو كانت الدنيا من ذهب والآخرة من خزف.. طين لاختار العاقل ما يبقى على ما يفنى، لأن الدنيا فانية والآخرة باقية وقوله تعالى: {إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى} أي إن قوله تعالى: {قد أفلح من تزكى} إلى قوله: {خير وأبقى} مذكور في كل من صحف غبراهيم وكانت له عشر صحف ولموسى، التوراة.

.من هداية الآيات:

1- الترغيب في الزكاة والذكر والصلاة، وبحصل هذا للمسلم كل عيد فطر غذ يخرج زكاة الفطر أولا ثم يأتي المسجد يكبر، ثم يصلي حتى إن بعضهم يرى أن هذه الآية نزلت في ذلك.
2- التزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة لفناء الدنيا وبقاء الآخرة.
3- توافق الكتب السماوية دليل أنها وحي الله وكتبه أنزلها على رسله عليهم السلام.